فصل: تفسير الآية رقم (81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (81):

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}
{خِلافَ} {يُجَاهِدُواْ} {بِأَمْوَالِهِمْ}
(81)- ذَمَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفَرِحُوا بِقُعُودِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، إِغْرَاءً لَهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى المُنْكَرِ، وَتَثْبِيطاً لِعَزَائِمِ الْمُؤْمِنِينَ: لا تَخْرُجُوا إِلَى الجِهَادِ فِي الحَرِّ. فَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ الَّتِي سَيَصِيرُونَ إِلَيْهَا، هِيَ أَشَدُّ حَرّاً مِنْ قَيْظِ الصَّحْرَاءِ الذِي فَرُّوا مِنْهُ. وَلَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُدْرِكُونَ وَيَعْقِلُونَ لَمَا خَالَفُوا وَقَعَدُوا، وَلَمَا فَرِحُوا بِقُعُودِهِمْ.
خِلافَ رَسُولِ اللهِ- لِمُخَالَفَةِ رَسُولِ اللهِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ.
لا تَنْفِرُوا- لا تَخْرُجُوا لِلْجِهَادِ.

.تفسير الآية رقم (82):

{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
(82)- ثُمَّ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ عَلَى فِعَالِهِمْ السَّيِّئَةِ، فَقَالَ لِنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم: لِيَضْحَكُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيا الفَانِيَةِ قَلِيلاً، لأَنَّ الدُّنْيَا نَفْسَهَا شَيْءٌ قَلِيلٌ، فَإِذَا انْقَطَعَتِ الدُّنْيَا، وَصَارُوا إِلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، اسْتَأْنَفُوا بُكَاءً لا يَنْقَطِعُ أَبَداً بِسَبَبِ مَا اكْتَسَبُوهُ مِنْ كُفْرٍ وَآثَامٍ، وَعَلَى مَا فَوَّتُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ فُرَصِ اكْتِسَابِ الحَسَنَاتِ، وَعَمَلِ مَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}
{طَآئِفَةٍ} {استأذنوك} {تُقَاتِلُواْ} {الخالفين}
(83)- فَإِذَا رَدَّكَ اللهُ تَعَالَى مِنْ غَزْوَتِكَ هَذِهِ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ المُنَافِقِينَ المُتَخَلِّفِينَ (وَكَانُوا، فِيمَا قِيلَ، اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً) فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ مَعَكَ إِلَى غَزْوَةٍ أُخْرَى، فَقُلْ لَهُمْ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً، وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ وَتَعْزِيزٌ، وَلَنْ يَكُونَ لَكُمْ شَرَفُ صُحْبَتِي إِلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ أَبَداً، لأَنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِخِزْيِ الْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ دُعِيتُمْ فِيهَا إِلَى الجِهَادِ، وَأَنْتُمْ لا عُذْرَ لَكُمْ يُبَرِّرُ هَذَا التَّخَلُّفَ، فَاقْعُدُوا مَعَ الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الجِهَادِ، مِنَ العَجَزَةِ وَالمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ.
الخَالِفِينَ- المُتَخَلِّفِينَ عَنِ الجِهَادِ.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}
{فَاسِقُونَ}
(84)- أَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ المُنَافِقِينَ، وَأَنْ لا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ، وَأَنْ لا يَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ دَاعِياً مُسْتَغْفِراً لَهُ، لأنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَمَاتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ. وَهَذا حُكْمٌ عَامٌ فِي كُلِّ نِفَاقٍ، وَإِنْ كَانَتِ الآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ فِي حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ هِي حَادِثَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ. وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُنَافِقٍ أَبَداً.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}
{أَمْوَالُهُمْ} {وَأَوْلادُهُمْ} {كَافِرُونَ}
(85)- فَلا يُثِرْ عَجَبَكَ مَا تَرَاهُمْ فِيهِ مِنْ وَفْرَةِ المَالِ، وَكَثْرَةِ الأَوْلادِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُمْ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَفِي الإِنْفَاقِ فِي الجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُوجِبُهُ الإِسْلامُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يُمِيتُهُم اللهُ عَلَى الكُفْرِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ نَكَالا لَهُمْ، وَعَذَاباً فِي الدَّارِ الآخِرَةِ فَتَكُونَ الأَمْوَالُ وَالأَوْلادُ اسْتِدْرَاجاً لَهُمْ مِنَ اللهِ.
تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ- تَخْرُجَ أَرْوَاحُهُمْ.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)}
{آمِنُواْ} {وَجَاهِدُواْ} {استأذنك} {أُوْلُواْ} {القاعدين}
(86)- وَإِذَا أُنْزِلتَ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ فِيهَا دَعْوَةٌ إلَى الإِيمَانِ بِاللهِ، وَالإِخْلاصِ فِي العَقِيدَةِ لَهُ، وَفِيهَا ذِكْرٌ لِلقِتَالِ، وَحَثٌّ عَلَى الجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَاوَلَ ذَوُو القُدْرَةِ عَلَى الجِهَادِ، وَالسَّعَةِ فِي الإِنْفَاقِ، أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ القِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ، وَاسْتَأْذَنُوكَ فِي القُعُودِ مَعَ القَاعِدِينَ مِنَ العَجَزَةِ وَأَصْحَابَ الأَعْذَارِ.
أُولُو الطَّوْلِ- أَصْحَابُ الغِنَى وَاليَسَارِ.

.تفسير الآية رقم (87):

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}
(87)- رَضُوا لأَنْفُسِهِمْ بِالقُعُودِ، وَبِعَارِ البَقَاءِ مَعَ النِّسَاءِ المُتَخَلِّفَاتِ فِي البَلَدِ، بَعْدَ خُرُوجِ الْجَيْشِ (الْخَوَالِفِ)، وَقَدْ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِمُ الأُمُورُ، وَأَصْبَحُوا لا يَفْقَهُونَ، وَلا يَعْرِفُونَ مَا فِي الجِهَادِ مِنْ خَيْرٍ لِلنَّفْسِ وَلِلجَمَاعَةِ، وَلا مَا فِي القُعُودِ عَنِ الجِهَادِ مِنْ مَضَرَّةٍ لِلنَّفْسِ وَلِلجَمَاعَةِ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
الخَوَالِفِ- النَّسَاءِ المُتَخَلِّفَاتِ عَنِ الجِهَادِ.
طُبِعَ- خُتِمَ.

.تفسير الآية رقم (88):

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)}
{آمَنُواْ} {جَاهَدُواْ} {بِأَمْوَالِهِمْ} {وأولئك} {الخيرات}
(88)- إذَا تَخَلَّفَ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الجِهَادِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالمُؤْمِنِينَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَهَؤُلاءِ وَعَدَهُمُ اللهُ بِالخَيْرَاتِ: فِي الدُّنْيَا بِتَحْقِيقِ النَّصْرِ، وَمَحُوِ الْكُفْرِ، وَإِعْلاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالتَّمَتُّعِ بِالمَغَانِمِ، وَفِي الآخِرَةِ بِرِضَا اللهِ وَجَنَّاتِهِ.

.تفسير الآية رقم (89):

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}
{جَنَّاتٍ} {الأنهار} {خَالِدِينَ}
(89)- وَقَدْ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاءِ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، جَنَّاتٍ تَجْرِي الأنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.

.تفسير الآية رقم (90):

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}
(90)- وَجَاءَ ذَوُو الأَعْذَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنَ القَبَائِلِ الَّتِي تَعِيشُ حَوْلَ المَدِينَةِ، يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي القُعُودِ، وَأَبْدَوْا أَعْذَاراً، مِنْهُمُ الصَّادِقُ، وَمِنْهُمُ الكَاذِبُ، وَلَمْ يَأْتِ آخَرُونَ مِمَّنْ قَعَدُوا لِيَعْتَذِرُوا، وَيُبَيِّنُوا أَسْبَابَ قُعُودِهِمْ عَنِ الجِهَادِ مَعَ الرَّسُولِ، وَسَيُصِيبُ الذِينَ قَعَدُوا مِنْهُمْ كُفْراً، وَجُرْأَةً مِنْهُمْ عَلَى اللهِ، عَذَابٌ أَلِيمٌ.
المُعَذِّرُونَ- أَصْحَابُ الأَعْذَارِ (وَقِيلَ إِنَّهُم ذَوُو الأَعْذَارِ الكَاذِبَةِ).

.تفسير الآية رقم (91):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}
(91)- يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الأَعْذَارَ التِي لا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَعَدَ مَعَهَا عَنِ الجِهَادِ، فَذَكَرَ مِنْهَا مَا هُوَ مُلازِمٌ لِبُنْيَةِ الإِنْسَانِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ القِتَالِ، كَالضَعْفِ فِي البُنْيَةِ الجَسَدِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ عَارِضٌ، كَالمَرَضِ الذِي يَمْنَعُهُ مِنَ الخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ كَالفَقْرِ الذِي لا يُمَكِّنُهُ مِنَ التَّجَهُّزِ لِلْحَرْبِ، وَاقْتِنَاءِ السِّلاحِ وَالْعُدَّةِ، وَالإِنْفَاقِ عَلَى النَّفْسِ وَالعِيَالِ خِلالَ مُدَّةِ الجِهَادِ.
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ هَؤُلاءِ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ إِذَا قَعَدُوا وَنَصَحُوا للهِ، وَلِلرَّسُولِ وَلِلمُؤْمِنِينَ فِي حَالِ قُعُودِهِمْ، وَلَمْ يُرْجِفُوا بِالنَّاسِ، وَلَمْ يَبُثُّوا الشَّائِعَاتِ المُثبِّطَةِ لِلْهِمَمِ، فَإِذَا الْتَزَمُوا بِذَلِكَ كَانُوا مِنَ المُحْسِنِينَ، وَاللهُ رَحِيمٌ بِمَنْ يَقْعُدُ وَهُوَ صَاحِبُ عُذْرٍ مَشْرُوعٍ.
حَرَجٌ- ذَنْبٌ أَوْ إِثْمٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الجِهَادِ.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
(92)- جَاءَ سَبْعَةٌ مِنْ بَنِي مُقْرِنٍ مِنْ مُزِينَةَ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلُوهُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى دَابَّةٍ لِيُجَاهِدُوا مَعَهُ، وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ: وَاللهِ مَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. فَتَوَلَّوا عَنْهُ يَبْكُونَ حُزْناً عَلَى أَنَّهًمْ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَهُ لِيَذْهَبُوا مَعَ الرَّسُولِ إِلَى الجِهَادِ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي المَدِينَةِ أَقْوَاماً مَا قَطَعْتُمْ وَادِياً، وَلا سِرْتُمْ سَيْراً إِلا وَهُمْ مَعَكُمْ، قَالُوا: وَهُمْ فِي المَدِينَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ حَبَسَهُمُ العُذْرُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمُ وَابْنُ مَاجَه.
تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ- تَمْتَلِئُ أَعْيُنُهُمْ بِالدَّمْعِ حَتَّى تَفِيضَ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (93):

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}
{يَسْتَأْذِنُونَكَ}
(93)- ثُمَّ رَدَّ اللهُ تَعَالَى المَلامَةَ وَجَعَلَهَا عَلَى الذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ الرَّسُولَ فِي القُعُودِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلا ضَرُورَةٍ، وَهُمْ أَصِحَّاءَ أَغْنِيَاءُ، قَادِرُونَ عَلَى الإِنْفَاقِ، وَوَبَّخَهُمْ لِرِضَاهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ العَجَزَةِ وَالمَرْضَى وَالنِّسَاءِ القَوَاعِدِ، وَقَالَ تَعَالَى إِنَّهُ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَأَحَاطَتْ بِهِمْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبُهُمْ، فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلا سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ فِي الآخِرَةِ.

.تفسير الآية رقم (94):

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}
{عَالِمِ} {والشهادة}
(94)- أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ بِالجَيْشِ إِلَى المَدِينَةِ، فَإِنَّ المُنَافِقِينَ الذِينَ قَعَدُوا عَنِ الجِهَادِ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ أَصحَّاءُ، سَيَأْتُونَ إِلَيْهِ مُعْتَذِرِينَ. وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لا حَاجَةَ بِكُم لأنْ تَعْتَذِرُوا فَلَنْ نُصَدِّقَكُمْ، وَلَنْ نَثِقَ بِكُمْ، لأنَّ اللهَ أَعْلَمَنَا بِأَحْوَالِكُمْ وَأَخْبَاركْم، وَسَيَرَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَمَلَكُمْ فِيمَا بَعْدُ، وَهُوَ الذِي سَيُبَيِّنُ حَقِيقَةَ حَالِكُمْ: إِمَّا إِصْرَارٌ عَلَى النِّفَاقِ، وَإِمَّا تَوْبةٌ وَإِنَابةُ إِلَى اللهِ. أَمَّا قَولُكُمْ بِالِّلسَانِ فَلا يُعْتَدُ بِهِ مَهْمَا أَكَّدْتُمُوهُ بِالإِيمَانِ. ثُمَّ يَتَوَّلَى اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِخْبَارَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ خَيْرِها وَشَرِها، وَيَجْزِيكُمْ عَلَيْهَا بمَا تَسْتَحِقُونَ.

.تفسير الآية رقم (95):

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)}
{وَمَأْوَاهُمْ}
(95)- إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى المَدِينَةِ مِنْ غَزَاتِكُمْ فَإِنَّ هَؤُلاءِ الذِينَ تَخَلَّفُوا مَعَ الخَوَالِفِ فِي المَدِينَةِ، وَقَعَدُوا عَنِ الجِهَادِ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ أَصِحَّاءُ، سَيَأْتُونَ إِلَيْكُمْ مُعْتَذِرِينَ، وَسَيُؤَكِّدُونَ اعْتِذَارَهُمْ بِالأَيْمَانِ الكَاذِبَةِ، وَهُمْ يَرْجُونَ أَنْ تُعْرِضُوا عَنْهُمْ، وَتَكُفُّوا عَنْ تَوْبِيخِهِمْ، وَتَقْرِيعِهِمْ عَلَى قُعُودِهِمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِعْرَاضَ الاحْتِقَارِ وَالاسْتِصْغَارِ، لا إِعْرَاضَ الصَّفْحِ، وَقَبُولِ العُذْرِ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَدَنَسٌ مُؤْذٍ لِلنُّفُوسِ المُؤْمِنَةِ الكَرِيمَةِ، يَجِبُ الاحْتِرَاسُ مِنْهُمْ، وَالابْتِعَادُ عَنْهُمْ، لِكَيْلاً تَلْحَقَ عَدْواهُمْ بِالمُؤْمِنِينَ. وَسَتَكُونُ نَارُ جَهَنَّمَ مُسْتَقَرَّهُمْ، وَجَزَاءَهُمْ، وَمَأْوَاهُمُ الأَخِيرُ.
إِنَّهُمْ رِجْسٌ- قَذَرٌ بَاطِناً وَظَاهِراً.